مظاهر الحياة العقلية في العصر الجاهلي
للسنة الأولى ثانوي
إن طبيعة العقل العربي لا تنظر إلى الأشياء نظرة عامة شاملة، وليس في استطاعتها ذلك. فالعربي لم ينظر إلى العلم نظرة عامة شاملة كما فعل اليوناني، كان يطوف فيما حوله؛ فإذا رأى منظرا خاصا أعجبه تحرك له، و جاس بالبيت أو الأبيات من الشعر أو الحكمة أو المثل. "فأما نظرة شاملة وتحليل دقيق لأسسه وعوارضه فذلك ما لا يتفق والعقل العربي.
وفوق هذا هو إذا نظر إلى الشيء الواحد لا يستغرقه بفكره، بل يقف فيه على مواطن خاصة تستثير عجبه، فهو إذا وقف أمام شجرة، لا ينظر إليها ككل، إنما يستوقف نظره شيء خاص فيها، كاستواء ساقها أو جمال أغصانها،
و إذا كان أمام بستان، لا يحيطه بنظره، ولا يلتقطه ذهنه كما تلتقطه "الفوتوغرافيا"، إنما يكون كالنحلة، يطير من زهرة إلى زهرة، فيرتشف من كل رشفة". إلى أن قال: "هذه الخاصة في العقل العربي هي السر الذي يكشف ما ترى في أدب العرب - حتى في العصور الإسلامية - من نقص وما ترى فيه من جمال".
وقد خلص من بحثه، إلى أن هذا النوع من النظر الذي نجده عند العربي، هو طور طبيعي تمر به الأمم جميعاً في أثناء سيرها إلى الكمال،
نشاً من البيئات الطبيعية والاجتماعية التي عاش فيها العرب، وهو ليس إلا وراثة لنتائج هذه البيئات، "ولو كانت هنالك أية أمة أخرى في مثل بيئتهم، لكان لها مثل عقليتهم،
و أكبر دليل على ذلك ما يقرره الباحثون من الشبه القوي في الأخلاق والعقليات بين الأمم التي تعيش في بيئات متشابهة أو متقاربة، وإذ كان العرب سكان صحارى، كان لهم شبه كبير بسكان الصحارى في البقاع الأخرى من حيث العقل والخلق".
أما العوامل التي عملت في تكوين العقلية العربية وفي تكييفها بالشكل الذي ذكره، فهي عاملان قويان. هما: البيئة الطبيعية، وعنى بها ما يحيط بالشعب طبيعيا من جبال وانهار وصحراء وغير ذلك،
والبيئة الاجتماعية، وأراد بها ما يحيط بالأمة من نظم اجتماعية كنظام حكومة ودين وأسرة ونحو ذلك. وليس أحد العاملين وحده هو المؤثر في العقلية.
وحصر أحمد أمين مظاهر الحياة العقلية في الجاهلية في الأمور التالية: اللغة والشعر والأمثال والقصص. وتكلم على كل مظهر من هذه المظاهر وجاء بأمثلة استدل بها ما ذهب إليه.
والحدود التي وضعها أحمد أمين للعقلية العربية الجاهلية، هي حدود عامة، جعلها تنطبق على عقلية أهل الوبر وعقلية أهل المدر، لم يفرق فيها بين عقلية من عقلية الجماعتين.
وقد كونها ورسمها من دراساته لما ورد في المؤلفات الإسلامية من أمور لها صلة بالحياة العقلية ومن مطالعاته لما أورده "أوليري" "وبراون" وأمثالهما عن العقلية العربية،
ومن آرائه وملاحظاته لمشكلات العالم العربي ولوضع العرب في الزمن الحاضر. والحدود المذكورة هي صورة متقاربة مع الصورة التي يرسمها العلماء المشتغلون بالسامية عادة عن العقلية السامية،
وهي مثلها أيضا مستمدة من آراء وملاحظات وأوصاف عامة شاملة، ولم تستند إلى بحوث علمية ودراسات مختبرية، لذا فأنني لا أستطيع أن أقول أكر مما قلته بالنسبة إلى تحديد العقلية الساميّة، من وجوب التريث والاستمرار في البحث ومن ضرورة تجنب التعميم والاستعجال في إعطاء الأحكام.
وتقوم نظرية أحمد أمين في العقلية العربية على أساس إنها حاصل شيئين وخلاصة عاملين، أثرا مجتمعين في العرب وكوّنا فيهما هذه العقلية التي حددها ورسم معالمها في النعوت المذكورة.
والعاملان في رأيه هما: البيئة الطبيعية والبيئة الاجتماعية. وعنى بالبيئة الطبيعية ما يحيط بالشعب طبيعياً من جبال وأنهار وصحراء ونحو ذلك،
وبالبيئة الاجتماعية ما يحيط بالأمة من نظم اجتماعية كنظام حكومة ودين وأسرة ونحو ذلك. وهما معاً مجتمعين غير منفصلين، أثّرا في تلك العقلية. ولهذا رفض أن تكون تلك العقلية حاصل البيئة الطبيعية وحدها، أو حاصل البيئة الاجتماعية وحدها.
وخطاً من أنكر أثر البيئة الطبيعية في تكوين العقلية ومن هنا انتقد "هيكل" "Heagel"، لأنه أنكر ما للبيئة الطبيعية من أثر في تكوين العقلي اليوناني، وحجة "هيكل" أنه لو كان للبيئة الطبيعية أثر في تكوين العقليات،
لبان ذلك في عقلية الأتراك الذين احتلوا أرض اليونان وعاشوا في بلادهم، ولكنهم لم يكتسبوا مع ذلك عقلهم ولم تكن لهم قابليتهم ولا ثقافتهم.
وردّ "أحمد أمين" عليه هو أن "ذلك يكون صحيحاً لو كانت البيئة الطبيعية هي المؤثر الوحيد، إذن لكان مثل العقل اليوناني يوجد حيث يوجد إقليمه،
و ينعدم حيث ينعدم، أما والعقل اليوناني نتيجة عاملين، فوجود جزء العلة لا يستلزم وجود المعلول".
وأثر البيئة الطبيعية في العرب، أنها جعلت بلادهم بقعة صحراوية تصهرها الشمس، ويقل فيها الماء، ويجف الهواء، وهي أمور لم تسمح للنبات أن يكثر، ولا للمزروعات أن تنمو، آلا كَلأً مبعثراً هنا وهناك،
وأنواعاً من الأشجار والنبات مفرقة استطاعت أن تتحمل الصيف القائظ، والجوّ الجاف، فهزلت حيواناتهم، وتحلت أجسامهم، وهي كذلك أضعفت فيها حركة المرور، فلم يستطع السير فيها إلا الجمل،
فصعب على المدنيات المجاورة من فرس وروم أن تستعمر الجزيرة، وتفيض عليها من ثقافتها، اللهم إلا ما تسرب منها في مجار ضيقة معوجة عن طرق مختلفة".
وأثر آخر كان لهذه البيئة الطبيعية في العرب، هو أنها أثرت في النفوس فجعلتها تشعر أنها وحدها تجاه طبيعة قاسية، تقابلها وجهاً لوجه، لا حول لها ولا قوة، لا مزروعات واسعة ولا أشجار باسقة،
تطلع الشمس فلا ظل لها، ويطلع القمر والنجوم فلا حائل، تبعث الشمس أشعتها المحرقة القاسية فتصيب أعماق نخاعه، ويسطع القمر فيرسل أشعته الفضية الوادعة فتبر لبّه، وتتألق النجوم في السماء فتمتلك عليه نفسه، وتعطف الرياح العاتية فتدمر كل ما أتت عليه.
أمام هذه الطبيعة القوية، والطبيعة الجميلة، والطبيعة القاسية، تهرع النفوس الحساسة إلى رحمن رحيم، والى بارئ مصور والى حفيظ مغيث- إلى الله-. ولعل هذا هو السر في الديانات الثلاث التي يدين بها أكثر العالم، وهي اليهودية والنصرانية والإسلام نبعث من صحراء سيناء وفلسطين وصحراء العرب.
والبيئة الطبيعية أيضاً، هي التي أثرت-على رأيه-في طبع العربي فجعلته كثيباُ صارماً يغلب عليه الوجد، موسيقاه ذات نغمة واحدة متكررة عابسة حزينة، ولغته غنية بالألفاظ، إذا كانت تلك الألفاظ من ضروريات الحياة في المعيشة البدوية، وشعره ذو حدود معينة مرسومة، وقوانينه تقاليد القبيلة وعرف الناس، وهي التي جعلته كريماً على فقره، يبذل نفسه في سبيل الدفاع عن حمى قبيلته.
كل هذه وأمثالها من صفات ذكرها وشرحها هي في رأيه من خلق هذه البيئة الطبيعية التي جعلت لجزيرة العرب وضعاً خاصاً ومن أهلها جماعة امتازت عن بقية الناس بالمميزات المذكورة.
وقد استمر "أحمد أمين"، في شرح أثر البيئة الطبيعية في عقلية العرب وفي مظاهر تلك العقلية التي حصرها كما ذكرت في اللغة والشعر والأمثال والقصص، حتى انتهى من الفصول التي خصصها في تلك العقلية،
أما أثر البيئة الاجتماعية التي هي في نظره شريكة للبيئة الطبيعية في عملها وفعلها في العقلية الجاهلية وفي كل عقلية من العقليات، فلم يتحدث عنه ولم يشر إلى فعله،
ولم يتكلم على أنواع تلك البيئة ومقوماتها التي ذكرها في أثناء تعريفه لها، وهي: "ما يحيط بالأمة من نظم اجتماعية كنظام حكومة ودين وأسرة ونحو ذلك"، ثم خلص من بحثه عن العقلية العربية وعن مظاهرها وكأنه نسي ما نسبه إلى العامل الثاني من فعل،
بل الذي رأيته وفهمته من خلال ما كتبه انه أرجع ما يجب إرجاعه إلى عامل البيئة الاجتماعية - على حد قوله - إلى فعل عامل البيئة الطبيعية وأثرها في عقلية العرب الجاهليين. وهكذا صارت البيئة الطبيعية هي العامل الأول الفعال في تكوين تلك العقلية، وحرمنا بذلك من الوقوف على أمثلته لتأثر عامل البيئة الاجتماعية في تكوين عقلية الجاهليين.
وأعتقد إن "أحمد أمين" لو كان قد وقف على ما كتب في الألمانية أو الفرنسية أو الإنكليزية عن تأريخ اليمن القديم المستمد من المسند، ولو كان قد وقف على ترجمات كتابات المسند أو الكتابات الثمودية والصفوية واللحيانية، لما كان قد أهمل الإشارة إلى أصحاب تلك الكتابات، ولعدٌل حتماً في حدود تعريفه للعقلية العربية،
ولأفرز صفحة أو أكثر إلى أثر طبيعة أرض اليمن وحضرموت في عقلية أهل اليمن وفي تكوين حضارتهم وثقافتهم، فإن فيما ذكره في فصوله عن العقلية العربية الجاهلية ما بحب رفعه وحذفه بالنسبة إلى أهل اليمن وأعالي الحجاز.
المظهر الاجتماعي
الشعر الجاهلى
هو الشعر الذى قيل قبل الإسلام بنحو من مائة وخمسين إلى مئتى عام في رأى بعض المحققين الذين أشاروا إلى أن الشعر الناضج يعود إليها وقد اشتمل على شعر عدد كبير من الشعراء على رأسهم شعراء المعلقات مثل عنترة وزهير ولبيد وامرىء القيس كما ضم دواوين عدد من الشعراء والشاعرات الذى وصلنا شعر بعضهم كاملا تقريبا ووصلتنا شذرات من شعر بعضهم ويتميز هذا الشعر بجزالة لفظه ومتانة تراكيبه واحتوائه على معلومات غنية عن البيئة الجاهلية بما فيها من حيوان وطير وجماد كما أنه عبر عن أحداث حياة العرب وتقاليدهم ومعاركهم المشهورة وأماكن معيشة قبائلهم وأسماء آبار مياههم وأسماء فرسانهم المشهورين ومحبوباتهم حتى قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه ( كان الشعر علم قوم لم يكن لديهم علم أصح منه ) واعتبر هذا الشعر سجلا لحياة الأمة العربية قبل ظهور الإسلام كما اعتمد عليه علماء اللغة في وضع قواعد النحو والاستشهاد على صحتها واعتمد عليه مفسرو القرآن في بيان معانى الكلمات ومدى ورودها في لغة العرب
اصل العرب ومساكنهم
كتب كثير من علماء الأنساب والتاريخ في اصل العرب وقد كثرت الأقوال وتضاربت الآراء خصوصا بين القديم والحديث فالاعتماد عند المتقدمين على الكتب المدونة وعند بعض العصريين على الآثار القديمة التي نقب عنها في جوف الأرض وحيث أن أمر التنقيب عقيم في جزيرة العرب وبالأخص لم يجر حتى اليوم في الربع الخالي مع صحراء الأحقاف فاصبح الاعتماد فيما يتعلق بشؤون العرب حتما على الكتب المدونة لأنه لم يكن أمامنا ما ينفي صحتها غيران كتب التاريخ والأنساب المتعلقة بي اصل العرب وتقسيمهم تحتوي على أقوال كثيرة فقد لخصت منها ما يأتي بعد جهد كبير وفحص دقيق
يرجع اصل العرب إلى سام بن نوح عليه السلام وكان مسكنهم قبل أن يسكنوا الجزيرة جهات العراق ثم نزح فريق منهم إلى الجزيرة التي يكون موقعها بالنسبة للعراق غرب جنوبي فسمى بنو سام النازحين منهم إليها (عربا) أي الغربيين لان حرف الغين المعجمة كان مفقودا من اللغة السامية فكانوا ينطقون بالعين المهملة عوضاً عن الغين المعجمة ويضعونها موضعها ومن ذلك الحين أطلق على من نزح من بني سام إلى الجزيرة العربية اسم العرب ، ثم سميت الجزيرة باسمهم .
والذي نزح هم ( عاد ) ومسكنهم الأحقاف المسماة الآن بصحراء الأحقاف الواقعة في القسم الجنوبي من الجزيرة . ( وثمود ) ومسكنهم الحجر ووادي القرى بين الحجاز والشام المسمى الآن بمدائن صالح الواقع في القسم الشمالي من الجزيرة . و ( طسم ) و ( جديس ) ، ومسكنهما اليمامة الواقعة في قلب الجزيرة ، والبحرين المسماة الآن بالأحساء ، الواقعة في القسم الشرقي من الجزيرة على الخليج العربي .
و ( عمليق ) ومسكنهم عمان ، الواقع في القسم الشرقي بجنوب من الجزيرة .
قال الجرجاني : إن بني عمليق ملكوا مصر ، ومنهم فرعون إبراهيم ، وفرعون يوسف ، وفرعون موسى . و ( أميم ) ومسكنهم رمل عالج بين اليمامة والشحر ، والمسمى الآن بالربع الخالي . و( عبيل ) ، ومسكنهم الجحفة بقرب المدينة . و ( عبد ضخيم ) ، ومسكنهم الطائف . و ( حضروا ) ومسكنهم الرس ، وأما الكلدانيون ، قال ابن خلدون في تاريخه : إنهم من الطبقة التي قبل نوح عليه السلام ، فهم من بني آدم ، ولم يكونوا من بني سام بن نوح .
ويحد الجزيرة العربية شرقاً بحر الهند والخليج العربي المسمى بالخليج الفارسي ـ لأن العرب استعمرته وبنت فيه ملاحتها قبل الفرس ـ وبعض العراق إلى الكوفة . وغرباً البحر الأحمر ، على أيلة وهي العقبة ، ثم إلى البلقاء المسماة ( الأردن ) ، وبعض بادية الشام وفلسطين وشمالاً من الكوفة والفرات بالعراق ، إلى عانة وبالس ، من الجزيرة الفراتية ، إلى سلمية وإلى مشارف غوطة دمشق إلى مشارف حوران ، إلي البلقاء من برية الشام وبعض فلسطين . وجنوبا بحر الهند .
وتنقسم الجزيرة إلى خمسة أقسام كبيرة :
الأول : القسم الشرق ، وهو يشتمل على عمان وقطر والأحساء والكويت وما حاذى ذلك من مدن وقرى ، من الجهة الشمالية إلى الكوفة .
الثاني : القسم الغربي ، وهو يشتمل على اليمن وتهامة وعسير والحجاز إلى أيلة وما حاذاها من جهة الشمال إلى البلقاء .
الثالث : القسم الشمالي ، وهو يشتمل على كل ما وقع ما بين الكوفة وحوران والبلقاء إلى أيلة من قرى وبادية
الرابع : القسم الجنوبي ، وهو يشتمل على حضرموت .
الخامس : قلب الجزيرة ، وهو يشتمل على عموم نجد ، بما فيه اليمامة والقصيم وشمر وجبلي سلمى وأجا ، وما جاور ذلك مع الربع الخالي بصحراء الأحقاف ونجران .
المظهر الديني:
ينشأ سؤال، ما هذه المعالِم؟ أو حينما ننظر إلى العرب قبل الإسلام، كيف كانوا يُمارسون شعائرهم وعقائدهم، إلى أن الإسلام جاء وحوَّلهُم من عُبَّاد أصنام وأوثان إلى مُوحّدين يَعْبُدون الله وحده لا شريك له وإلى مسلمين؟
وهذه مِنَّة كُبرى ونعْمَة كُبرى. نجد أن العرب قبل الإسلام مثل غيرهم من الأمم أيضاً، ولا يُظَن أن العرب في العَصْر الجاهلي تفرّدوا بمثل هذه العبادات، ولكن أمّة اليونان، وأمّة الرومان، والمصريون القدماء، والبابليون، والفِينِقيون، والآشوريون، كَثير من الأمم كانوا يتوجهون إلى عبادات مادية وإلى عبادة الكائنات الطَّبيعية.
أولا:فنجد أنّ العرب كانوا يتوجّهون أو بعْض العرب إلى عبادة النباتات والجمادات والطير والحيوان، لأن هذا كان يدور حَولهم فيجدون في شيء منها مصدر القوة فيَعْبدونه.
ثانيا:كانوا يتوجّهون إلى عبادة النجوم والكَواكب، وجاءتهم هذه المظاهِر من الصابِئة وبقايا الكِلدانيِّين.
ثالثا:كانوا يتوجّهون أيضاً، كانوا يتأثّرون بما يُسمَّى التثليث في العِبادة، مظهر التثليث في العبادة؛ بحيث كانوا يجْمَعون بين ثلاث ظواهر من الظواهر الطبيعية، وهي: القَمر، والشَّمس، والزُّهْرة، أو القَمر يقابِل ودّ عندهم، وكان صنماً، والشمس تقابل اللات، والزُّهْرة تُقابل العُزَّى. فالقمر والشمس والزُّهْرة، أو ودّ واللات والعُزَّى، وهذا التثليث كان شائِعاً عند عَرب الجُنوب، كما يروي ابن الكلبي في كتابه "الأصنام". كانوا يَرجِعون بآلهتهم إلى الثالوث المقدس، هو: القمر أو ود، والشمس أو اللات، والزُّهْرة أو العُزَّى.
وأيضاً نراهم يقدسون النار، ويظهر ذلك أو أثر ذلك أو أثر تقْدِيسهم النار، يظهر في إيقادهم للنار عند أحلافِهم، واستمطارهم السماء، وتقديم القرابين إليها. ويقال: إن المَجوسية كانت متفشّية في تَميم، وعُمان، والبحرين، وبعض القبائل العربية. نجد أيضاً إلى جِوار عبادة النباتات والجمادات والطَّير والحَيوان، عِبادة النجوم والكواكب، مظهر التثليث في العبادة، عبادة النار.
وعبادة الأصنام، وهي العبادة الشائعة عند العرب، الأصنام والأوثان، وفَرْقٌ بين الصَّنَم والوََثَن: "الصَّنَم": هو التمثال الذي يصنع على هيئة بَشَر أو نَبَات أو حَيوان أو ما إلى ذلك، هذا هو الصَّنَم.
أمّا "الوَّثَن": فهو حَجَر يأخذه العَربيّ أو البَدوي طبعاً في العَصْر الجاهلي ويتخذ منه رَمْزاً للعِبادة. وكانت عِبادة الأصنام منتشرة بين العرب انتشاراً واسعاً، قد صوَّروها أو نَحتوها رَمزاً لآلهتِهم. وقد يَرون في بعض الأحجار والأشجار والآبار ما يَرمز إليهم. فالعُزَّى كانت لغَطفان، وهي شجرة وقد قَطعها خالد بن الوليد، وكان مِن مأثوراته أنه قال:
منْ هُم المشركون؟ هم الذين كانوا يعبدون الأصنام ويقولون: ما نعبدهم إلاّ ليقرِّبونا إلى الله زلفى، أي: كان منهم فريق يعرف الله ولكن كان يشرك مع الله آلهة أخرى، ولذلك قال الحق -سبحانه وتعالى-: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى * وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخرى، ثم يقول سبحانه.. وَلا تَذَرُنَّ وَدّاًوَلا سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً
إذاً، ينْشأ سُؤال: ما أشهر الأصنام التي كان يعبدها العرب؟ وهذا الذي نقوله يظهر في شِعْر الجاهليين أيضاً، ومن لا يدرس حياة العرب الدينية أو الاجتماعية أو الثقافية، دراسة موسعة ومستقْصية، لن يعرف كيف يفكّ رموز الكلمات، أو رموز بعض الإشارات في أبيات الشِعْر الجاهلي. من الأصنام التي كان يعْبدها العرب: "اللات" وكان معْبَدها في الطائف، وكانت عبادة "اللات" شائعة بين العَرب الجَنوبيِّين، وفي الحجاز، ويقال: "إنه كان صَخرة مربّعة بيضاء، بَنَت عليه ثَقيف بيتاً. وكانت قريش وجَميع العرب يعظِّمونه"؛ ولذلك سَمّوْا بـ"وهب اللات" و"عبد شمس" مثلاً.
"مناة" و"العُزَّى". وكانت "مناة" صخرة منصوبة على ساحل البحر بين المدينة ومكة، ولها مكانة. وأيضاً نَجِد "وَد" وكان من الآلهة الجنوبية ويؤلّه مع "اللات" و"العُزَّى". وربما تأثروا في هذه العِبادة بما يشاع عند المَسيحيِّين والنَّصرانيِّين. وكان هذا "وَد" صنمه بدَومة الجَنْدل. أيضاً هناك "سُواع" وهذا كان صنم هُذَيل وكِنانة. وأيضاً "يَغُوث" و"يعوق" و"نسر". وكان هناك أيضاً بعض القبائل وضعت أشكالاً وتماثيل، أشكالاً لهذه الأصنام؛ فكان "ود" على صورة "رجل"، و"سُواع على صورة "امرأة"، و"يَغُوث" على صورة "أسد"، و"يعوق" على صورة "فرس"، و"نسر" على صورة "النسر" من الطير. ومن أصنامهم أيضاً "هُبَل"، وهُبَل كان من عَقيق أحمر على صورة إنسان مكْسور اليد اليُمنى، وقريش جعلتها له من ذهب. ولكن هذه الأصنام كلها بمجيء الإسلام كُسِّرت وأزيحت ولم يَعُد منها قليل. ويقال: كان حول الكعبة في فتح مكة ثلاثمائة وستون صنماً، والمصطفى -صلى الله عليه وسلم- أزاحها وأزالها حين نشر رسالة التوحيد في مكة المكرمة، وفي الجزيرة العربية، بل وفي العالم كلّه. ومن أصنام قريش أيضاً المشهورة: "إساف" و"نائلة"، ولهما قصة تشبه الأسطورة، يقال: إنهما كانا شخصيْن أتيا أعمالاً مُسيئة فمُسِخا حَجَرين، وبعد ذلك عبدهما الناس، ومنها "رضا" و"تيم" و"شمس"، إلى آخر هذا كله. فنجد هذه الأصنام كلها انتشرت عند الجاهليين وكان لها أثر في شِعْرهم وفي نَثْرهم.